اكتئاب ما بعد الولادة… متى يستدعي زيارة الطبيب؟

اكتئاب ما بعد الولادة يعد أحد أكثر التحديات النفسية تعقيدًا التي قد تمر بها الأم بعد إنجاب طفلها، خاصةً في الأسابيع أو الأشهر الأولى، وبرغم فرحة المولود الجديد، إلا أن بعض الأمهات قد تشعر بالحزن، التوتر، أو حتى الرغبة في البكاء دون سبب واضح، وهذه المشاعر لا تعني بالضرورة ضعفًا نفسيًا، وإنما قد تكون مؤشرًا على اضطراب نفسي حقيقي يحتاج إلى التفهم والدعم.

وفي السعودية وحول العالم، تتزايد أهمية التوعية بهذه الحالة، إذ تشير الأبحاث إلى أن واحدة من كل 7 أمهات قد تمر بدرجات متفاوتة من هذا النوع من الاكتئاب، وقد تظهر اعراض اكتئاب بعد الولادة بشكل تدريجي أو مفاجئ، مما ينعكس على صحة الأم وعلاقتها بطفلها وأسرتها.

ولأن التأخر في التشخيص قد يؤدي إلى تفاقم الحالة، من المهم جدًا التعرف على اسباب اكتئاب ما بعد الولادة، والانتباه إلى علامات اكتئاب النفاس، وكيفية التعامل معه، وكيفية تجنب اكتئاب ما بعد الولادة.

.وفي هذا المقال نأخذك في جولة مفصلة للتعرف على:

• ما هو اكتئاب ما بعد الولادة؟

• اسباب اكتئاب ما بعد الولادة

• اعراض اكتئاب بعد الولادة

• علامات اكتئاب النفاس

• كيفية التعامل مع اكتئاب بعد الولادة

• كيفية تجنب اكتئاب ما بعد الولادة

ما هو اكتئاب ما بعد الولادة؟

اكتئاب ما بعد الولادة هو اضطراب نفسي يصيب بعض الأمهات بعد الولادة، ويتراوح بين تقلبات مزاجية خفيفة تعرف باسم كآبة ما بعد الولادة، وتختفي بعد أيام قليلة، وبين حالة اكتئاب حقيقية قد تستمر لأسابيع أو شهور وتتطلب علاجًا نفسيًا متخصصًا.

وعلى عكس الإرهاق أو القلق الطبيعي بعد الولادة، فإن اكتئاب ما بعد الولادة يعتبر حالة صحية تستدعي الانتباه، إذ يؤثر على قدرة الأم على رعاية طفلها والتفاعل معه، وقد يؤدي إلى شعورها المستمر بالحزن أو فقدان الاهتمام حتى بالأشياء التي كانت تدخل السعادة لقلبها.

وإليكِ أهم علامات اكتئاب النفاس:

• يبدأ عادة خلال أول 4 أسابيع بعد الولادة، لكنه قد يظهر في أي وقت خلال السنة الأولى.

• ليس له علاقة مباشرة بقوة شخصية الأم أو مدى حبها لطفلها، بل يرتبط بتغيرات بيولوجية ونفسية معقدة.

• يحتاج إلى تشخيص دقيق من طبيب نفسي مختص لتحديد مستوى الحالة وطرق العلاج المناسبة.

متى تكون علامات اكتئاب النفاس مقلقة؟

إذا استمرت مشاعر الحزن، القلق، أو الانعزال لأكثر من أسبوعين، أو أثرت على قدرة الأم على النوم، أو تناول الطعام، أو رعاية الطفل، فينصح بالرجوع فورًا إلى أخصائي نفسي.

اسباب اكتئاب ما بعد الولادة

رغم أن اسباب اكتئاب ما بعد الولادة ليست محددة بدقة، إلا أن الأطباء والباحثين يرجحون أن اسباب اكتئاب ما بعد الولادة ناتجة عن تداخل عوامل بيولوجية ونفسية واجتماعية تؤثر مجتمعة على الأم بعد الإنجاب، ولا يعني حدوثه أن الأم ضعيفة أو غير قادرة على التكيف، بل هو استجابة معقدة لما يحدث داخل الجسم وخارجه.

وأبرز اسباب اكتئاب ما بعد الولادة هي:

تغيرات هرمونية حادة

بعد الولادة، تنخفض مستويات هرموني الإستروجين والبروجستيرون بسرعة كبيرة، مما يؤثر مباشرة على كيمياء الدماغ ويعد ذلك من اسباب اكتئاب ما بعد الولادة.

الإرهاق الجسدي والنفسي

الولادة سواء كانت طبيعية أو قيصرية تترك الأم في حالة إنهاك جسدي، وقد تزداد هذه الحالة سوءًا مع قلة النوم المستمرة خلال الأسابيع الأولى.

ضغوط الحياة والرعاية

الشعور بالمسؤولية الثقيلة لرعاية مولود جديد، خاصة مع غياب الدعم من الأسرة أو الشريك، قد يشعر الأم بأنها معزولة أو غير كافية، ويعد ذلك أيضًا من اسباب اكتئاب ما بعد الولادة.

تاريخ سابق مع الاكتئاب أو القلق

النساء التي عانت من اضطرابات نفسية سابقة، خصوصًا خلال الحمل، هن أكثر عرضة لاكتئاب ما بعد الولادة.

مشكلات في الرضاعة أو العلاقة مع الطفل

صعوبة في الرضاعة الطبيعية أو عدم الشعور بالارتباط الفوري مع الطفل قد يؤديان إلى شعور بالذنب أو الفشل، ويغذيان الحالة النفسية السلبية.

ظروف حياتية صعبة

مثل فقدان العمل، الخلافات الزوجية، المشكلات المادية، أو وفاة أحد الأقارب، كلها عوامل تضغط على الأم الجديدة وتزيد من احتمالية الاكتئاب.

اعراض اكتئاب بعد الولادة

اعراض اكتئاب بعد الولادة لا تظهر دائمًا بشكل واضح، وغالبًا ما يتم الخلط بينه وبين تقلبات المزاج العادية التي تعرف بـكآبة الأمومة، والتي تختفي خلال أيام قليلة، أما اعراض اكتئاب بعد الولادة الحقيقي، فتستمر لفترة أطول وتؤثر بعمق على حياة الأم.

وأبرز اعراض اكتئاب بعد الولادة التي يجب الانتباه لها هي:

• شعور مستمر بالحزن أو الفراغ.

• فقدان الاهتمام بالأشياء المحببة.

• صعوبة في النوم أو الإفراط فيه.

• فقدان الشهية أو الأكل الزائد بشكل غير طبيعي دون سبب واضح.

• قد تشعر الأم بأنها أم سيئة أو غير كفء، حتى لو لم يكن هناك ما يدعو لذلك.

• نوبات بكاء متكررة بدون سبب واضح.

• صعوبة في التركيز أو اتخاذ القرارات.

• أفكار إيذاء النفس أو إيذاء الطفل (في الحالات المتقدمة).

وظهور عرض أو اثنين لا يعني بالضرورة وجود اكتئاب ما بعد الولادة، لكن استمرار اعراض اكتئاب بعد الولادة لأكثر من أسبوعين مع تأثيرها على الحياة اليومية يستدعي التدخل الطبي الفوري.

علامات اكتئاب النفاس

علامات اكتئاب النفاس هي المؤشرات التي يمكن أن تظهر على الأم خلال الأسابيع الأولى بعد الولادة، وتعد تنبيهًا مبكرًا لوجود اضطراب نفسي يستدعي الاهتمام، وعلامات اكتئاب النفاس لا يجب تجاهلها، لأن تجاهلها قد يؤدي إلى تدهور الحالة أو تأثيرها السلبي على العلاقة بين الأم ورضيعها.

وأهم علامات اكتئاب النفاس هي:

• عدم الارتباط العاطفي بالطفل.

• نوبات غضب أو انفعال متكررة.

• الانعزال الاجتماعي.

• الخوف المفرط على الطفل.

• نقص الحماس تجاه أي شيء.

• تكرار الأفكار السلبية.

• اضطرابات في النوم أو الأكل لا ترتبط برعاية الطفل.

وتختلف علامات اكتئاب النفاس من امرأة لأخرى، لكن ظهور 3 علامات أو أكثر من علامات اكتئاب النفاس بشكل مستمر يعد مؤشراً لطلب الاستشارة النفسية أو الطبية في أقرب وقت.

كيفية التعامل مع اكتئاب بعد الولادة

معرفة كيفية التعامل مع اكتئاب بعد الولادة، يتطلب مزيجًا من الدعم النفسي والعلاج الطبي والرعاية الذاتية، لأن تجاهل الحالة قد يؤدي إلى مضاعفات تؤثر على صحة الأم والرضيع.

وإليكِ كيفية التعامل مع اكتئاب بعد الولادة:

طلب الدعم الطبي والنفسي

• استشارة طبيب نفسي مختص في الصحة النفسية بعد الولادة.

• الحصول على جلسات علاج نفسي فردي أو جماعي إذا لزم الأمر.

الحوار الصريح مع الشريك أو الأسرة

• التعبير عن المشاعر دون خوف أو خجل.

• إشراك شريك الحياة في المسؤوليات اليومية لتخفيف الضغط.

تنظيم النوم والراحة

• محاولة النوم أثناء نوم الطفل.

• تقليل المهام غير الضرورية للحصول على فترات راحة مناسبة.

الغذاء المتوازن

• تناول أطعمة غنية بالفيتامينات والمعادن لتعزيز الصحة النفسية.

• تجنب الكافيين الزائد أو السكريات التي ترفع المزاج مؤقتًا وتترك تأثيرًا عكسيًا.

ممارسة الرياضة الخفيفة

• مثل المشي يوميًا لمدة 20-30 دقيقة، حيث تحسن المزاج وتفرز هرمونات السعادة.

الابتعاد عن الشعور بالذنب

• يجب على الأم أن تعلم أن اكتئاب بعد الولادة ليس ضعفًا منها، بل حالة شائعة وقابلة للعلاج.

والعلاج المبكر والاهتمام بالحالة النفسية بعد الولادة يسهم في الشفاء الكامل وتجنب تطور الأعراض إلى اكتئاب مزمن أو اضطرابات أشد.

أهمية الدعم الأسري في علاج اكتئاب ما بعد الولادة

الدعم الأسري يعد من أهم عوامل التعافي النفسي للأم بعد الولادة، خاصة في حالة الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، إذ يمكن أن يحدث فارقًا كبيرًا في تخفيف الأعراض وتسريع العودة إلى الحالة الطبيعية.

كيف يساهم الدعم الأسري؟

• التفهم وعدم التقليل من مشاعر الأم

• المشاركة في رعاية الطفل

• توفير وقت للراحة

• تشجيعها على التحدث مع مختص

• المتابعة المستمرة  سؤال الزوج أو أحد أفراد العائلة عن حالتها النفسية بشكل منتظم

والدعم لا يحتاج إلى كلمات كبيرة، بل إلى وجود حقيقي، وصبر، واحتواء، وفي النهاية، الأم بحاجة إلى من يذكرها بأنها قوية، وأن هذه المرحلة ستمر، وبأن صحتها النفسية لا تقل أهمية عن صحتها الجسدية.

كيفية تجنب اكتئاب ما بعد الولادة

الوقاية من اكتئاب ما بعد الولادة تبدأ قبل الولادة نفسها، وتمر عبر مراحل متعددة تتطلب وعي الأم وأسرتها بالحالة النفسية التي قد تمر بها في هذه المرحلة الحساسة من حياتها.

وإليكِ كيفية تجنب اكتئاب ما بعد الولادة:

التحضير النفسي خلال الحمل

• حضور جلسات تثقيفية أو قراءة مصادر موثوقة لفهم ما قد تمر به الأم نفسيًا بعد الولادة.

• الحديث مع الأمهات السابقات لكسر حاجز الخوف.

بناء شبكة دعم اجتماعي

• مشاركة المشاعر مع العائلة أو الأصدقاء.

• طلب المساعدة عند الشعور بالإرهاق أو الضغط الزائد.

التواصل المستمر مع الطبيب

• متابعة الحالة النفسية خلال زيارات ما قبل وما بعد الولادة.

• إبلاغ الطبيب بأي مشاعر غير طبيعية مبكرًا.

الاستعداد لفترة النفاس

• تنظيم المسؤوليات مع الشريك أو الأسرة مسبقًا لتقليل العبء بعد الولادة.

• تجهيز روتين يومي يتضمن وقتًا للراحة والعناية الذاتية.

الاهتمام بالنظام الغذائي والنوم

• تناول وجبات متوازنة تحتوي على الحديد وأوميغا 3.

• محاولة الحصول على قسط كافٍ من النوم حتى لو كان مجزأً.

الابتعاد عن المثالية الزائدة

• لا يجب على الأم أن تضغط على نفسها لتكون مثالية، فكل أم تمر بتحديات مختلفة.

• الرضا بالقليل من التقدّم اليومي أفضل من الإحباط بسبب عدم الكمال.

في النهاية إذا كنتِ تعاني من اكتئاب مابعد الولادة أو تريدي الوقاية منه، فنحن في مجمع الدوحة الطبي، نوفر لكِ رعاية شاملة تحت إشراف نخبة من الأطباء والاستشاريين النفسيين المتخصصين، لا تترددي واحجزي استشارتك الآن.